عرضت قناة العربية وثيقة تليفزيونية صادمة تحت عنوان «مصنع البلطجة» لا تملك بعد مشاهدتها إلا أن يتملكك الرعب وتتوقع ثورة الجياع القادمة فى مصر، ستنطلق من ألف منطقة عشوائية يسكنها 15 مليون مواطن يمثلون حزاماً ناسفاً من الجوع والألم والحقد والغليان، هرسهم وطحنهم نظام فاسد وطبقة رأسمالية شرسة وطناش جماعى منظم، حتى برامج مرشحى الرئاسة تناست أناتهم وصرخاتهم، هم كوكب آخر من ضحايا الإهمال والأنانية سيحصد الأخضر واليابس إذا حانت الفرصة، سيأكلون لحوم النخبة لأنهم جوعى إلى الوجود، مجرد الوجود وليس التميز، حق بسيط ومشروع لم نوفره لهم، لأننا لا نراهم برغم كثافة حضورهم.

اسمعوا كلام «وحيد برشامة» أحد سكان العشوائيات وهو يتحدث فى مصنع البلطجة، يقول «برشامة» ببلاغة معجونة بواقعه القاسى الشرس: «أرحمهم ليه هو حد رحمنى، احنا حياتنا بتوجعنا!! أنا لو شفت حد حاطط برفان حاكله، بيحط برفان وأنا مش لاقى الزيت، أنا مستغرب من البنات اللى راكبين عربيات جابوها ازاى، أنا 38 سنة شغل وسرقة وتجارة مخدرات وماجبتش عربية، هم الوزرا والفنانين دول بيروحو فين ومابنشوفهمش ليه؟! نفسى أروح الحتة التانية اللى مستخبيين فيها، أنا مش حاطلع الثورة تانى، أنا حطلع أسرق»!!

هذه الوثيقة التليفزيونية الرهيبة لابد أن نفتح عيوننا عليها وأن نحفظها صَم، لابد أن نسمع أبطالها بصدق وتجرد، من يقتل بخمسين ألف جنيه، ومن يستأجرونها لكى تذبح وتشرَّح فى خناقة مقابل ألف جنيه، استمع إليها وهى تشرح قاموسها الدينى الخاص وتقول: «الدعارة بس هى اللى حرام، لكن السرقة والقتل وتجارة المخدرات مش حرام.. أنا عندى خمس عيال واللى يقوللى دمرى الدنيا عشان أصرف عليهم حادمر واولع الدنيا!!».

قسوة القلب وتحجره نتاج عشرات السنين من الإهمال والتعالى والنفى، اخترع هؤلاء لحل مشاكلهم عرفاً خاصاً ولغة خاصة بل وديناً خاصاً له مفرداته وطقوسه المتفردة، مشهد الدم لايحرك ساكناً، «الفَرْد» وهو مرادف السلاح عندهم مثله مثل لقمة العيش والابن والزوجة لابد أن يسكنا معك حجرة نومك، الشجار هو لغة التفاهم اليومية، وأفحش السباب هو أبجدية الحوار، هو السلام عليكم وصباح الخير!! من أين يأتى الإتيكيت والمفروض واللازم والبديهى؟ هل سيأتى من جبال القمامة أو بكابورتات الفضلات أو عورات الأطفال المكشوفة أو رائحة العفن وحوائط الطوب المكشوفة وسلالم البيوت المعلقة بلا درابزين؟! من أين ستأتى رقة المشاعر أو الرحمة أو التسامح؟ إذا الدمع تحجر وتصلب القلب وجاعت المعدة فلا وجود لما يسمى قيماً أو أخلاقاً.

مصنع البلطجة لن يصدر إلا الخراب.